{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}أما الحروف المقطعة في أوائل السور، فقد تقدم الكلام عليها مستوفى في أوائل سورة البقرة.وقال أبو الضحى، عن ابن عباس في قوله تعالى: {الر}، أي: أنا الله أرى.وكذا قال الضحاك وغيره.{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} أي: هذه آيات القرآن المحكم المبين وقال مجاهد: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} قال: التوراة والإنجيل.وقال الحسن: التوراة والزبور.وقال قتادة: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} قال: الكتب التي كانت قبل القرآن.وهذا القول لا أعرف وجهه ولا معناه.وقوله: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر، كما أخبر تعالى عن القرون الماضية من قولهم: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] وقال هود وصالح لقومهما: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} [الأعراف: 63: 69] وقال تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].وقال الضحاك، عن ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد. قال: فأنزل الله عز وجل: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ}وقوله: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} اختلفوا فيه، فقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يقول: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول.وقال العوفي، عن ابن عباس: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يقول: أجرا حسنا، بما قدموا.وكذا قال الضحاك، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهذا كقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف: 2، 3]وقال مجاهد: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال: الأعمال الصالحة صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم.وقال عمرو بن الحارث عن قتادة أو الحسن {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم.وكذا قال زيد بن أسلم، ومقاتل بن حيان.وقال قتادة: سَلفُ صدق عند ربهم.واختار ابن جرير قول مجاهد- أنها الأعمال الصالحة التي قدموها- قال: كما يقال: له قدم في الإسلام ومنه قول حسان رضي الله عنه:لنا القَدَمُ العُليا إليك وخَلْفُنا *** لأوَّلِنا في طاعَة اللهِ تَابعُوقول ذي الرُّمة:لكُم قَدَمٌ لا يُنْكرُ الناسُ أنها *** مَعَ الحسَبِ العَادِيّ طَمَّت على البَحْرِوقوله تعالى: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} أي: مع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم، رجلا من جنسهم، بشيرا ونذيرا، {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} أي: ظاهر، وهم الكاذبون في ذلك.